بادئ ذي بدأ أود أن أثمن ما قام به فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز منذ توليه مقاليد السلطة من إهتمام بالغ بالمقاومة الوطنية و تكريم ﻷبطالها اﻷشراف و كان أول من تم توسيمه احمد ولد بهده احد ابطال هذه المعركة ، ﻷنه لا يمكن ﻷي حاضر قوي أن يتشكل من دون ماض قوي يبنى عليه ، فالتاريخ شعاع من الماضي يضيئ الحاضر و المستقبل ، و من هذا المنطلق يسعدني باسم أبناء المجاهدين أن أتقدم بطلب ملح إلى فخامة رئيس الجمهورية بإدراج تاريخ المقاومة الوطنية بصفة عامة في المناهج التربوية و تصحيح بعض المعلومات المتعلقة خصوصا بملحمة أم التونسي المجيدة كما نلتمس من فخامته تشييد نصب تذكاري تخليدا لهذه المعركة الفاصلة .
أما بخصوص مداخلتي حول ذكرى هذه المعركة الفاصلة ستقتصر على قوام القوتين ان صح التعبير و كذلك اﻹستراتيجية التي أديرت بها ، هذه المعركة و أدت في النهاية الى اﻹنتصار العظيم .
لا شك أيها الحضور الكريم أن عدد المجاهدين كان يفوق المئة من الرجال إلا أنهم لا يملكون سوى الجمال و بنادقهم المتواضعة وهي ؛( ثلاثيات -رباعيات – خماسيات أو يسمى بتمبربزات ) و بعضهم لايملكها بل كان في انتظار أن يتسلح من العدو كما كان نهج المقاومة الوطنية في بعض اﻷحيان -مقارنة مع الفرقة الفرنسية المدججة بالسلاح و العتاد و التي يبدو أنها كانت على بقدوم المجاهدين حسب كتابات ضباط المستعمر و خير دليل ما شهد به العدو ، فلهذا كانت على اهبة اﻹسنعدادات بمختلف جوانبها ، فكانت هذه الفرقة تتكون من ستة ضباط فرنسيين بقيادة دلونج و الملازم ” ماك ماهون ” نجل الرئيس الفرنسي أنذاك و أكثر من 30 من الزنوج الرماة ، كما أن هذا العدو بمكره و دهائه عمد الى اختيار أكثر من 50 مجندا محليا ( كوميات ) معظمهم شارك الى جانبه في معارك عديدة ضد المقاومة الوطنية في مختلف ربوع التراب الوطني ، و تم تسليح الجميع بمختلف اﻷسلحة بما فيها الرشاش إلا أن هذا المستعمر و أعوانه و بالرغم من قوته و جبروته كان يفتقد لما هو أقوى ، إنه اﻹيمان الراسخ في قلوب المجاهدين بالجهاد في سبيل الله ثم الدفاع عن اﻷرض و العرض ، فبهذا اﻹيمان القوي و عند التقاء الجمعان في مثل تاريخ هذا اليوم بالذات إ18 أغسطس من عام 1932 في منطقة أم التونسي ( 80كلم شمال العاصمة في صباح يوم ممطر إندفع المجاهدون سيدي ولد الشيخ ولد لعروسي صوب العدو ، مكبرين مقبلين غير مدبرين و لسان حالهم يقول الشهادة هاهنا لمن أرادها ، فكانت تحسب لهم تلك البسالة ﻷنها ترعب العدو ، و إثر ذلك الهجوم المتحمس و القوي للمجاهدين و نداءهم للشهادة في سبيل الله ، ارتأى المجاهد و القائد اﻹستراتيجي المتمرس أبراهيم السالم ولد ميشان أنه لتحقيق نصر فعلي يجب مباغتة العدو من الخلف ، و نظرا لخبرته و معرفته له من خلال معاركه السابقة و التي لقبه فيها بعض ضباطه بالمنتخصص ( le spécialiste )- استطاع فعلا هذا الرجل ببراعته و سرعته الفائقة رفقة بعض المجاهدين و بتوفيق من الله أن يلتف من الخلف على جنود الفرقة الفرنسية المحاطة بالجنود و السلاح و إرباكها بضربات موجعة و مفاجئة لم تكن في حسبانها ، أصابت هذا العدو و أزلامه بالهلع و الخوف و فرار البعض و ماهي إلا ساعات حتى بدأت بوادر النصر تلوح في اﻷفق و ذلك بمقتل كل الضباط الفرنسيين الستة و على رأسهم الملازم و نجل الرئيس الفرنسي أنذاك ” ماك ماهون ” كما قتل أكثر من 10 من الزنوج الرماة و أكثر من 20 من المجندين المحليين (كوميات ) و أكثر من 10 من الجمال و غنم المجاهدون 50 جملا برواحلها و أكثر من 45 بندقية و مدفعا رشاشا ، و أستشهد من جانب المجاهدين 17 مجاهدا و اكثر من 20 جريحا . و في رواية سلمنه عن تفاصيل المعركة في كتاب : الشيخ ماء العينين ع.أ في مواجهة اﻹستعمار اﻷروبي يقول سلمة و هو احد المشاركين فيها {أن المعركة تميزت بالشراسة و السرعة ، و أن الرجال المقاومة في هذا اليوم كانوا من الشجاعة و البسالة بمكان ، لكنهم لم يبلغوا مدى ابراهيم السالم ولد ميشان في اﻹقدام ، لقد رأيته يلتف من الخلف على جنود الفرقة الفرنسية فيقتل ثلاثة من الفرنسيين و سبعة من الرماة ، لقد كان يكر و يصول بسرعة البرق في ميدان المعركة …} لا شك أن معركة أم التونسي ملحمة كبرى سجلها التاريخ لكوكبة من أبطال المقاومة الوطنية زلزلت فرنسا أنذاك فليس مستبعدا أن تزلزل اليوم أزلامها اﻷوفياء . المجد و الخلود للشهداء.
محمد سعيد ولد بو سيف